(العفو، الغفور ، الغفار
قال الله تعالى : { إن الله لعفو غفور}الذي لم يزل، ولا يزال بالعفو معروفاً، وبالغفران والصفح عن عباده موصوفاً .
كل أحد مضطر إلى عفوه ومغفرته ، كما هو مضطر إلى رحمته وكرمه.
وقد وعد بالمغفرة والعفو ، لمن أتى بأسبابها ، قال تعالى: { وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى }.
والعفوُّ هو الذي له العفو الشامل الذي وسع ما يصدر من عباده من الذنوب، ولا سيما إذا أتوا بما يسبب العفو عنهم من الاستغفار، والتوبة، والإيمان، والأعمال الصالحة فهو سبحانه يقبل التوبة، عن عباده ويعفو عن السيئات، وهو عفو يحب العفو ويحب من عباده أن يسعوا في تحصيل الأسباب التي ينالون بها عفوه: من السعي في مرضاته، والإحسان إلى خلقه .
ومن كمال عفوه أنه مهما أسرف العبد على نفسه ثم تاب إليه ورجع غفر له جميع جرمه صغيره وكبيره، وأنه جعل الإسلام يجب ما قبله، والتوبة تجب ما قبلها قال الله تعالى : { قل يا عبادي الذي أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إنه يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم } وفي الحديث ( إن الله يقول ): ((يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة )) وقال تعالى : {إن ربك واسع المغفرة } وقد فتح الله عز وجل الأسباب لنيل مغفرته بالتوبة ، والاستغفار، والإيمان ، والعمل الصالح ، والإحسان إلى عباد الله ، والعفو عنهم ، وقوة الطمع في فضل الله ، وحسن الظن بالله وغير ذلك مما جعله الله مقرباً لمغفرته ) .
الأدعية الواردة في ليلة القدر
أما ماذا يقول من صادفها؟ فقد جاء عن أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت: (يا رسول الله! ماذا أقول إن أنا صادفت ليلة القدر؟ قال: قولي: اللهم! إنك عفو تحب العفو فاعف عني )
وإذا تأملنا في هذه الألفاظ وجوها: السائل عائشة ، وسألت رسول الله، ومن تكون عائشة من رسول الله؟ هي أحب الناس إليه بعد أبي بكر ، فأتاها بأحب النصح، يعني: أن جوابه لها هو نهاية النصح والمحبة، ولو أن هناك خيراً من ذلك لقاله لها. ويقول علماء اللغة:الميم في (اللهم) بدل (يا) النداء في (يا ألله) فتحذف ياء النداءفي الأول، ويعوض عنها بميم في الأخير. قوله: (اللهم! إنك عفو) هذاوصف للمولى سبحانه أنه عفو، وكم من عفو لله على الخلق! وكم من ذنب
يرتكبه الإنسان في خفاء أو علن والله يعفو عنه! إذاً: يمتدح الله بصفته أولاً؛ لقوله تعالى: (وَابْتَغُواإِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ) [المائدة:35]
أي: عند الدعاء قدم وسيلة لاستجابة دعائك، وهذا مبدئياً، فإذا قلت:
(اللهم! إنك عفو) فقد أثنيت على الله، ومدحت الله بالصفة التي تتناسب مع حاجتك وسؤالك، ولو كنت تريد الرزق: فقل: اللهم! يا رزاق!يا رازق الطير! يا رازق النمل! يا رازق كذا في جحره ارزقني؛ لأنك تطلب رزقاً فتسأله بصفة الرزاق، وهنا تريد أن تسأله العفو، فتمتدحه
سبحانه بصفة العفو. وقوله: (إنك عفو تحب العفو) قال تعالى: (أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ) [النور:22]في قضية مسطح وغيره، وقوله: (إنك عفو تحب) أي: وأنا أسألك لأن من صفتك العفو وأنت تحبه أن تعفو عني. وإذا تأمل الإنسان في قوله[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]فاعف عني ) العفو -كما يقولون-: هو الإزالة، نحو: عفت الريح الأثر، إذا مرت قافلة في الصحراء ورسمت أخفافها وأقدامها في الطريق، فإذا جاءت ريح شديدة وحركت الرمل عفت أثر المسير في الصحراء ولم يبق للمسير أثر، فكذلك العفو عن الزلة يمحو أثرها من الصحيفة، فلا يبقى لها أثر مكتوب على الإنسان. قوله: (إنك عفو تحب العفو فاعف عني) وإذا نظرنا إلى قوله صلى الله عليه وسلم: (من عوفي في بدنه، وعنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها )،وقوله: (من عافاه الله في بدنه فهو سعيد )، وقوله: (من عافاه الله في دينه وسلم من الشرك، وسلم من الرياء، وسلم من كبائر الذنوب
فهو سعيد )، وقوله: (من عافاه الله يوم القيامة من تلك المضايق فهو السعيد الناجي )، وقوله تعالى: (فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ) [آل عمران:185] علمنا أن أجمع دعاء يكون هو هذا الدعاء الموجز (فاعف عني) مع المقدمة التي يقدمها الإنسان إليه.