شهد الحب عضو ماسى
عدد المساهمات : 12221 العمر : 33 المزاج : يارب احفظ مصر الدوله : المهنه : الهوايه : النقاط : 71991
| موضوع: حذاء وافتخر الأحد فبراير 27, 2011 12:13 am | |
| لم أكن أعلم أننى سأكون بهذه الأهمية ولم أتوقع أن يحترمنى الناس لهذه الدرجة بأن أكون سببا فى سعادة الأطفال وعزة أمة بدأت مشوارى ذليلا حقيرا تدوسنى الأرجل والأقدام رغم جمال صنعتى وإتقانها جلد بنى قوى ورباط طويل ومتين يلتف على رقبتى الطويلة وضعنا العامل فى علبة صغيرة أنيقة وجمعونا مع كل أصدقائنا وأرسلونا إلى تاجر الجملة ومنه إلى محل أحذية فى أول الشارع
ولم يبقى فتى فى الحى إلا وداسنى وجرب أن يمشى بى خطوات ثم خلعنى وجرب آخر وارتدانى فتى فقلقل نعلى وأزعجنى فقد كان صغير القدم نحيلها وكلما خطا خطوة أكاد أخرج من قدمه رغم أنه حاول شد رباطى بشدة فخلعنى وجربنى فتى طائش لم يحتمل إمساكى برجله فرمانى وحاول آخر وكان ضخم القدم حشرها فى مقدمتى حشرا ثم حاول شد رقبتى على رجله فكادت تتمزق الأربطة وكدت أختنق فعضضت بكل قوتى على أصابع قدميه كى يخلعنى وفعلا صار يشد رجله وبالكاد استطاع سحبها ثم رمانى غضبا وخرج وبقيت فى العلبة أكثر من إسبوع
إلى أن جاء فتى فى السادسة عشر من العمر وما إن جربنى حتى نلت إعجابه وكأنه يبحث عنى وأبحث عنه فلم يعد يقبل أن يجرب حذاء آخر ودفع ثمنى ووضع حذاءه القديم فى العلبة وارتدانى وخرج أصدقكم القول كم أحببت هذا الفتى لقد كانت قدماه ثابتتين راسختين كالصخر وعندما شد الرباط عانقت رقبتى ساقه وأحسست أنه لا يريد أن يفارقنى كما أننى لا أريد أن أفارقه وكأننى صنعت لهاتين القدمين الصامدتين
ومضينا فى أزقة وحارات وعرفت عائلته الطيبة التى يعيلها : أمه وأخواته الخمس كان يسكن فى قرية ويعمل فى محطة وقود ويذهب صباحا ويعود إلى عائلته ليلا وقد أحضر معه ما يستطيع من خبز وخضار ومرت الأيام وهو يرتدينى صباحا ليعود بى عصرا إلى مغاور وكهوف فنتسلق الشجر ونعلوا تلالا ويتدرب مع رفاقه على القنص وحمل السلاح وكم شعرت بالفرح عندما عرضت عليه فرقته حذاء آخر مع لباسه العسكرى فرفض وتمسك بإرتدائى وهو يدافع عنى قائلا : إنه حذاء قوى وممتاز ومضيت معه سنة أو أكثرلا يخلعنى إلا عند النوم
وفى يوم يملئه الحزن من شهر كانون الثانى عام 2009 اجتاح العدو الغاشم أرضنا وهزت الإنفجارات البلد بأسرها وتناثرت الأشلاء فى كل مكان ودمرت البيوت والأبنية وقتل الأطفال والنساء والشيوخ وثارت ثائرة أحمد ورفاقه ووجدته يمشى داخلا غرفة أمه وأخواته ليقول لهن : " اذهبن إلى بيت خالى " كنت أشعر بتوتره وغضبه فى كل خطوة يخطوها كان يغدو جيئه وذهابا ويضرب بى على الأرض بقوة شعرت معها بدمه يجرى فى عروقى كانت كل خطوة يخطوها تجعلنى أفخر أن كنت فى قدم هذا البطل فأمسك بها أكثر وأحنو عليها وكأنى خائف على ابن لى فأدفع عنه الصخور والحجارة وأتمنى لو أحمله بدل أن يحملنى كانت خطواته ثابته تهدر كالمدفع فتنهار الحجارة تحتها لطالما شعرت بأننى أنا من كنت أحمي قدمه ولكننى أدركت فجأة بأنها هى الى كانت تحمينى
وأزفت ساعة الصفر فقد احتشدت قوات العدو البرية على حدود القرية تؤازرها القوات الجوية فقصفت البيوت والأحياء لتمهد للتوغل البرى كانت خطة القيادة أن تقسم المجاهدين كتائب تتألف كل كتيبة من 4 أو 5 مجاهدين تتربص فى الأنفاق وفى ركام البيوت المهدمة والبساتين المحروقة لتقوم بهجمات مفاجأة خاطفه متتالية وفى أماكن متفرقة تفاجئ العدو وكان أحمد ضمن هذه الكتائب يحمل " آر بى جيه 29 " وجاءت التعليمات بالهجوم فاندفعت المجموعة من النفق وكأنها بركان الموت الزؤم شعرت أن قدمى أحمد تدكان الأرض دكا وبخطوات واثقة شجاعة تستمد قوتها من ثبات الأرض وقوة الحق واستطاع المجاهدون تدمير ثلة من الأعداء الجبناء وعلا هدير تكبيرهم يصل الأرض بالسماء : الله أكبر الله أكبر وسمعت أحمد يكلم صديقه قائلا : " جاءت الأوامر بتفجير العبوات الناسفة الخاصة بدبابات "الميركافا" بعد خمس دقائق بالضبط لإن الدبابت ستكون قد وصلت حيث زرعنا العبوات الناسفة " ويرد صديقه بعد أن يجرب بطارية جهاز التحكم بالتفجير عن بعد " دارة التفجير عن بعد معطلة فقد انهارت فوق الجهاز صخور وحجارة كبيرة بعد الانفجار الأخير ولا بد من تفجير العبوات عن طريق الأسلاك التى وصلناها بجهاز التفجير " ويقترب أحمد من فتحة النفق الذى يرابط هو ورفاقه فيه ويشد السلك قليلا فيراه متحررا مما يدل على أنه مقطوع كذلك ويحتار المجاهدون فيما يفعلونه فان خرجوا لوصل السلك فى المنطقة المكشوفة سيراهم العدو بطائرات الاستطلاع المنتشرة ويزحف أحمد للخارج متحديا الموت فالغنيمة كبيرة : ثلاث دبابات "ميركافا" بجنودها ولن يضيع هذه الفرصة مهما كان الثمن ولن تصدقوا فرغم أنه كان يزحف للموت ولكن قدميه كانتا دافئتين تتدفق فيهما دم الحياة أكثر من أى وقت مضى !! وزحف بخفة وحذر يلاحق الأسلاك الرئيسية التى تتفرع إلى ثلاثة فروع لتقضى على الدبابات الثلاث بالعبوات المتفجرة الثلاث حتى وصل لمكان القطع فوصلها فى الوقت المحدد تماما فقد فصارت الدبابات الثلاث ضمن المجال المحدد للعبوات المزروعة تماما وأشار إلى رفاقه بيده أن قد تمت المهمة بنجاح وفى نفس اللحظة التى انفجرت الدبابات المستهدفة انفجر جسده الطاهر فقد كشفه أولئك الأوغاد وأطلقوا نيرانهم الظالمة عليه وتبعثرت أشلاؤه وسالت دمائه الطاهره تسقى الثرى وتعطر الأرجاء وانسحبت القوات الغاشمة وتزعزعت صفوفهم
وجمع أصدقاء أحمد حاجيته ليأخذوها إلى أهله وكنت ضمن هذه الحاجيات وجمعوا رفات الشهيد ولفوها بالعلم وكم خفت على أم أحمد وأخواته عندما دخل رفاقه عليهن لإخبارهن وخطت الأم نحوى بنفس خطوات إبنها الثابتة الحازمة ولما إقتربت منى شعرت برائحة أحمد الزكية تعبق فى المكان تذكرته وكلى شوق لقدمى أحمد الراسختين نظرت إلى أم أحمد وبناتها وبدل النواح أطلقن الزغاريد دوت فى سماء الوطن تودع روح الشهيد وتفخر به ومضى رفاقه يحملون رفاته ملفوفا بالعلم على الأكتاف تدوى تكبيراتهم وخلفها صوت الزغاريد يزفون الشهيد فى عرس الشرف والبطولة وارتفع صوت المؤذن عاليا يتلوا قوله تعالى " ولا تحسبن الذين قتلوا فى سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون " وبعد أن عانقت الأرض ابنها البار عادت أم أحمد إلى دارها لتستقبل المباركات بشهادة أحمد وما إن دخلت حتى إتجهت نحوى كنت معفرا بتراب المعركة معجونا بدماء الشهيد الطاهرة حملتنى وضمتنى وقبلتنى بحب ومزجت دماء إبنها بدمعتين حارتين ثم وضعتنى على الرف فى صدر الغرف تحت صورة أحمد تُفاخر بى ولا أنسى حين قالت وهى تتحدث فخورة بى " أترون هذا الحذاء؟! إنه بندقية رعب فى رؤوس الأعداء " لن تصدقوا رفعت رأسى عاليا عاليا
أتعلمون؟! فى كل بيت فى فلسطين وفى كل غرفة وعلى كل رف وفى كل ذرة تراب عجنت بدم الشهيد فى كل نسمة هواء عطرها عبق العزة والفخار هناك حذاء مثلى شرفه أن حضن قدمى مجاهد شريف وانتشى فخرا وكأنه وسام على الصدور نعم حـــــــــــــــــــــــــــــــــذاء وافتخر | |
|