شهد الحب عضو ماسى
عدد المساهمات : 12221 العمر : 33 المزاج : يارب احفظ مصر الدوله : المهنه : الهوايه : النقاط : 71991
| موضوع: علام يراهن الإخوان ؟؟(د/ عادل فهمي) الثلاثاء مايو 01, 2012 3:23 am | |
|
كنت قبل أسابيع قليلة ممن يرفضون رفضا قاطعا مبدأ تراجع الإخوان عن إعلانهم عدم تقديم مرشح لرئاسة مصر. وجادلت أصدقائي في ذلك كثيرا.
ولما تأملت موقفي، وسألت نفسي لماذا أنا غاضب من الإخوان هكذا؟
ولما طبقت المنهج العلمي في التفكير وحكمت الموضوعية والواقعية. لم أجد لغضبي سندا موضوعيا ولا عقلانيا ولا شرعيا ولا واقعيا، ووجدتني أتبع “المنهج الأخلاقوي” الذي يحاكم الإخوان أخلاقيا، وأتجاهل المنهج السياسي ومتطلبات ميدان سياسة والممارسة السياسية، وليس محكات الأخلاق.
ولما كان تراجع الإخوان عن إعلانهم لا يتصادم مع الشرع إذ هم لم يوقعوا اتفاقا مع أطراف معينة وينقضوه، بل ألزموا أنفسهم بقرار لم يلزمهم به أحد ، قرار معين في لحظة معينة لدواعي محددة.
ولما كان تراجعهم لا يتناقض مع منهجية السياسة والديمقراطية تاريخا ومفهوما وممارسة، لأنهم أكبر القوى السياسية في المجتمع، ولهم الحق كما للأقلية أن ترشح أو لا ترشح أحدا تطبيقا لما تعلمناه في كتاب الديموقراطية، وهذا يحتم العمل وفق تكتيكات الكر والفر والمناورة ضمن استراتيجيات السعي إلى السلطة.
ولما كان تراجع الإخوان لا يتناقض مع العقل السليم إذ أنهم يمتلكون كتلة تصويتية كبيرة (ملايين) ويمتلكون مشروعا نهضويا له عمق ديني وتاريخي، ومطلوب شعبيا فهل من المعقول أن يسلموا كل هذا لمرشح آخر يقترب أو يبتعد عن مشروعهم وتدخل المسألة في باب الاحتمالات؟
وما إن انتهيت من الجدل المنهجي مع نفسي، وتقبلت فكرة حق الإخوان في المنافسة على الرئاسة من حيث المبدأ حتى قفز شيطان التفاصيل أمامي : طيب وعلامَ يراهن الإخوان في نجاح مسعاهم لتولي مسؤولية الرئاسة ومعهم أغلبية البرلمان، وقد استنفرت القوى السياسية عن بكرة أبيها تحاربهم بضراوة وتحاول إجبارهم على التراجع ، وتحاول الحصول على حقها في خريطة السلطة القادمة؟؟
ورجعت للحيرة مرة أخرى:
هل يُعقل أن يتقدم تيار سياسي ذو تاريخ عريق يفهم الواقع المصري، ليتحمل مسؤولية تاريخية كاملة في مجتمع يعاني من مختلف أعراض الانهيار التنظيمي والسياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي ؟
وهل يقدم مشروعه ومرشحه ليكون في مقدمة معركة سوف تستخدم فيها الأسلحة الثقيلة لتحقيق الآمال والطموحات والتوقعات الكبيرة، وماذا عساهم أن يفعلوا لشعب متشوق لكل شيء من الخبز الآدمي إلى فن الباليه؟
وبحثت في خزانة التاريخ، ومجريات الواقع، وإمكانات الإسلاميين واستخلصت العوامل التي يراهن عليها الإخوان في مقامرتهم هذه كما يسميها خصومهم:
أولا: يراهن الإخوان على تاريخ طويل من العمل الميداني، والمعارضة السياسية، جهادا بالسنان ضد المستعمرين وتوعية بالسان والبيان فكرا وتثقيفا ، قدموا خلال كل ذلك تضحياتهم الكبيرة بالنفس والمال والسمعة لإيمانهم بالإسلام نظاما وتشريعا وحياة، فهم أصحاب مرجعية فطرية مقبولة، ويدافعون عن هوية متماسكة، فالخطابة والجمعيات الدينية والخطاب الوسطي المعتدل المعبر عن فهم وسطي للإسلام الذي يشكل للمصريين جميعا مصدر عزة وفخر، هذا هو المرتكز الفكري والديني الذي لا ينازعهم فيه تيار آخر.
ثانيا: يراهن الإخوان على الظهير الشعبي القوي: إن التواصل اليومي للإخوان مع الناس، وحل مشكلاتهم،عامل آخر للمراهنة ؛ فالعيادات الطبية في القرى والأحياء الشعبية ما تزال تقدم الخدمة الصحية لقطاعات لم تنل حظها من الرعاية في ظل دولة مصرية تم توجيه اقتصادها لصالح مافيا حكمتها لستين عاما..!! وتنظيم إنتاج وتوزيع الخبز على البيوت يتم بلجان شعبية إخوانية، والتكافل الاجتماعي هو القيمة المجتمعية التي حمت الطبقة الفقيرة من الجوع والمهانة. والخدمات التعليمية التي يقدمونها كانت دائما ذات جودة أفضل وكان خصومهم من رجال الشرطة وغيرهم يضعون أولادهم في مدارس إخوانية بعيدا عن التعليم الحكومي أو الأجنبي..!!
ثالثا: يراهن الإخوان على قدرة تنظيمية هائلة تمتد لتشمل مصر كلها، ولديهم شبكة علاقات اجتماعية متماسكة ومعقدة، تشكل قواعد حزبية في أكثر من 40 ألف قرية مصرية، هذه الشبكة لها تنظيم هرمي وتتحرك بانتظام وتعمل وفق معايير الحشد والتوجيه بروح رسالية قلما توجد في أ ي من التنظيمات السياسية الأخرى.
رابعا: يراهن الإخوان على امتلاك كوادر تخصصية في كل المجالات من المهن الحرفية البسيطة، إلى تخصصات العلمية النادرة الرياضيات البحتة والطاقة النووية، ومنهم حاصلون على جوائز عالمية، وفي الجامعات المصرية مئات بل آلاف المنتمين للفكر الإخواني، ومعهم جيل من غير الإخوان يراهن على التغيير ويدعم مشروعهم النهضوي. وإذا كان عبد الناصر بدأ حقبة من الحكم العسكري بثلة من الضباط الذين جربوا فينا شطحاتهم السياسية ومع ذلك صفق لهم الناس رغم الهزائم، وإذا كان الحزب الوطني المنحل قد استدعى 200 من الكوادر الجامعية في علمية ترقيع واسعة ، و جراحة لتجميل لجنة السياسات ، ضمهم ليكونوا وقود عملية التوريث. فإن البداية مع الرئيس الإخواني هذه المرة مختلفة لأنه يتوفر للحاكم القادم لمصر آلاف المتخصصين والعلماء ولن يعدم الإخوان استدعاء علمائهم ليكونوا مصدرا للأفكار والعمل الجماعي الذي يضع الرؤى والمشروعات ويقدم المشورة، ويساند في علميات التنفيذ…
خامسا: يراهن الإخوان على صورة ذهنية ما تزال قوية، تتحدد ملامحها في أنهم منظمون، ومنضبطون ولهم مرجعية قيادية يحتكم إليها، ليسوا مشرذمين يصعب التواصل معهم كمثل فصائل أخرى لا تكاد تجد قيادة موحدة لهم، فالقوى السياسية تعلم كيف تتواصل مع الإخوان زمانا ومكانا.صحيح أن هذه الصورة تأثرت بفعل الحملات الدعائية التي تهاجم الإخوان ليل نهار إن لم يكن لأجل مصلحة سياسية فمن أجل التربح وزيادة التوزيع وجلب الإعلانات التليفزيونية..!!! وصحيح أن عددا من الشباب انتفضوا على قيادتهم مطالبين ببعض الإصلاح في قرارات معينة، لكن المجرى العام لنهر الإخوان لا يقف عند أشخاص، ولا تعوقه جيوب تنظيمية مناوئة، فالكل يعمل لغاية أسمى، وغالبا ما يراجع المختلفون أنفسهم في اللحظة الحاسمة ويغلبوا مصلحة الدعوة على مصالحهم الشخصية غير القائمة أصلا، فقد كانوا قبل الثورة موضع اتهام ونبذ واستهداف من النظام وهم ثابتون رغم السجن ويدفعون من قوتهم اليومي لنصرة الدعوة ، أفإن جاء اليوم الذي يسهمون فيه في قيادة بلد حرموا من العيش فيه بكرامة ينقسمون على أنفسهم ويتناحرون؟ غالبا كل هذا يتمناه الخصوم لكنه لا يحدث لأن الغاية هي أسمى من المكسب اللحظي أو المادي..!!
سادسا: يراهن الإخوان على تقبل القوى الإقليمية والدولية لمنهجهم الوسطي الذي لا يستنبت التطرف والعنف في البيئة المصرية والعربية، وبالضرورة لا يصدره للآخرين..!! ويربي أتباعه وغيرهم من الناس على الإسلام الحضاري الوسطي والنضال الدستوري، ويقر بحقوق الإنسان، وحفظ المعاهدات، وتمكين الأقليات والمرأة، ولا يقف ضد أحد ولا مع أحد إلا إذا كان الموقف فيه صالح الوطن..ويرى بعض الباحثين في العلوم السياسية أن العالم الآن هو الذي يراهن على الإسلام السياسي من عدة جوانب : أولا لمنحه فرصة لينأى بعيدا عن مسلك جماعات العنف والكراهية للغرب. وثانيا مطابقة القول بالفعل بمباركة النهج الديموقراطي الذي طالما نادى به الغرب، وثالثا لتجربة حكم الإسلاميين فإن أحسنوا وتقبلتهم شعوبهم فبها ..وإن أساءوا فسوف تنزلهم الجماهير من على مسرح السياسة وتختار غيرهم من الليبراليين ولا مشكلة.!!
سابعا: يراهن الإخوان على أخطاء الخصوم: فخصوم الإخوان كثر، ومن يتابع قنوات فضائية ومواقع للتواصل الاجتماعي يعتقد أن الدنيا كلها قامت في وجه الإخوان مرة واحدة ، فتجد الاعتداء عليهم بالشتائم والتخوين والنبذ والتلفيق ورفع الأحذية في وجوه بعض القيادات. والإخوان بحكم خبرتهم السياسية يعلمون أن هذه الأخطاء والإهانات لم يحن وقت الرد عليها بعد، وأن هؤلاء الخصوم يريدون جرهم لمعارك جانبية وتشتيت تركيزهم، ولذا فهم يوثقون أخطاء الماركسيين والناصريين وبقايا النظام السابق، وغيرهم. والإخوان بحكم زمالة الليمان والميدان يعلمون أن بعض الخصوم يتربح من مهاجمتهم، وبعض الخصوم يريد تحسين وضع التفاوض معهم، وبعض الخصوم يريد قطعة من السلطة بغير جهد ولا عناء منحة من الإخوان ، وبعضهم يسير على مثل: “فيها لأخفيها..!!”. وكثير من الخصوم مدفوعون بقوى خفية مالية ونفوذ غابر لبعض مراكز القوى ..نعم مراكز القوى من الجنرالات الذين أحيلوا بعد الثورة للإستيداع….!!!
هذه الهجمات المتواصلة من الخصوم هي لعقلاء مصر سوف تسجل عليهم تاريخيا وسينظر إليها فيما بعد على انها مواقف غير سياسية، وإنما هي مكايدة ومناكفة لخصم قوي:
- فالليبراليون الذي طالما نادوا بالديموقراطية، فلما جاء الإسلاميون بها كفروا بها وارتدوا عن مبدئهم.
- والقطاعات التي طالما وقف الإخوان معهم ومع قضاياهم من عمال وفلاحين وطلبة وقوى الأمن والجيش، يتنكرون للإسلاميين ويقفون ضد مشروعهم الذي يعد تجربة جديدة ومطلوب أن تمنح فرصة حتى لا يعود حكم الفرد مرة أخرى.
- وقوى المعارضة التي تشاغب الآن يوما ما ستكون في السلطة، وقد لا تستطيع العمل عند قيام المعارضة المنظمة برفض مشروعها في الحكم.
- عامة الشعب الذي يعايشون الإخوان ويعيشون معهم وبهم سيتعاطفون مع هؤلاء الذين ظلموا من قبل الثورة والآن يظلمون باسم الثورة، فهل من المنطق والخلق أن يهاجَم الإخوان لمجرد أنهم إخوان يمارسون حقهم ؟ إذن ما الذي تغير وما الغنيمة التي سيحصل عليها الإخوان من حكم بلد يتداعى اقتصاديا وثقافيا، وما عليهم إلا أن ينسحبوا ويتركوا للجيش والأمن إدارة الأمور..!!
- سيشعر المتدينون أن عقيدتهم مهددة ووضعهم في خطر وما تزال خلفيات المعارك بين الإسلاميين وغيرهم لم تضع أوزارها بعد، وسوف تجيّش الحشود لنصرة أصحاب المرجعية الدينية في مواجهة الأقلية المستبدة التي تستغل الوضع وتستقوي بالجيش على الإسلاميين.
وبعد ..
هذه خلاصة ما توصلت إليه من استقراء الوضع الحالي ورهانات الإخوان في دخول آتون الصراع على سلطة الرئاسة، وقد تكون هناك رهانات أخرى، وقد تستجد متغيرات غير معروفة، ولكن الذي أنا متأكد
منه..
أن رهانات الإخوان فيها من المنطق، والسياسة، والواقعية والمصلحة العامة أكثر مما فيها من التحيز للذات، ومن الاستعلاء والاستحواز..والمقامرة !!!
| |
|