خذ الحكمة مني و امضي ..

بعيدا عن الحكمة ، و قريبا من واقع الحال .. تتجلى الصورة بركاكتها في صوت " الزهوانية " و هي تردد في أحد مقاطع الأغنية : " .... عربي أنا و نعرف كلشي !!! "


رغم كل شيء ، و أنا هنا أعني كل شيء ، لا يسعني إلا أن أوافق هذه المرأة على ما تقوله هذه المرة ، فيما تتحول باقي كلمات الأغنية لمشاهد من الكوميديا السوداء و السخرية من الذات حين أعجز عن طرد لحن هذه الأغنية من رأسي و حين تصر الحياة على ابتكار مواقف و أحداث عنوانها " عربي هو و يعرف كل شيء ! " ، حتى وجدتني أمزج بين الأثنين و أطرق برؤوس أصابعي على أي سطح يصادف أن يدي تعتليه خلال تلك المواقف في محاولات لشغل عقلي عن رغبة عارمة في ارسال اشارات لعضلات ذراعي بالتقلص ثم الامتداد فجأة و بقوة على وجه أحدهم ..



بعيدا عن الكلام المنمق و قريبا من لب الموضوع ،، كيف أصبح الجميع أهل علم و حكمة و رأي فجأة و حول كل شيء ؟


تحدث عن اصبع قدمك الأعوج في تجمع ما و ستجد الجميع يفتونك حوله ، بدأا بأبسط النصائح وصولا لتفاصيل جراحة عظام محتملة ! و لاحظ أن هذه الأخيرة ستستحوذ على الجزء الأكبر من مدة الحوار ..

قل أنك تصاب بالأرق ، و سيتطوع الجميع لتقديم تحاليل نفسية لحياتك من ألفها ليائها .. هذا إن لم يتجرؤوا على الإسهاب و ضم الهمزة كذلك فيصفوا لك بضع أدوية لتتناولها !

إن زل لسانك و أنت تتحدث عن زوجتك و أتى على ذكر ما فيه رائحة الحميمية ، فأنت لن تخرج من المكان قبل أن يقيسوا مدى رضاك عن حياتك الجنسية و يجعلوك تشكك بفحولتك أو بجدوى زواجك من هذه السيدة

اشتكي من حرق زوجتك لطبخها بضع مرات و من خشونة شعرها الطبيعية ليصلك مطبوع جاهز يتظمن اجراءات الطلاق و مراحلها و مواصفات لزوجة " أفضل " و " تريحك " !

طبعا سيظهر ابن حلال يقول لك لا ترمي أطفالك من زوجتك الأولى و كن " ابن ناس " و احتفظ بها لتغيضها بالثانية و تظهر لها إلى أي حد يمكن أن تكون نذلا



بصدق و بصراحة و بدون زعل .. اعتدت أن أسمع نصائح غير مرغوب بها و آراء كثيرة سخيفة عن شكلي و عملي و ذوقي في الملابس و دورتي الشهرية و طموحي في الحياة و حياتي العاطفية المحتملة لكن لم يطفح كيلي إلا بالأمس و أنا أقرأ ما كتب من حلول في قسم مشاكل الشباب و الأسرة ...


ما الذي يحدث ،،، هل تحول دور القسم ليصبح شيطانا يعمل بدوام كامل ؟؟


ما أن يتحدث أحدهم عن شبه مشكلة و ليست مشكلة حتى ، ليجد أن الجميع يفتونه بأفضل الطرق ليحول حياته و حياة من معه لجحيم ..


أين هي الكلمة الطيبة ؟ أين هو التذكير باللتي هي خير ؟ أين الإيجابية و التفاؤل ؟

من يقصدون ذاك المكان طلبا للنصح لا يفعلون ذلك إلا بعد أن تضيق بهم أنفسهم و تسود الرؤية أمام أعينهم ، فلما تزيدون من شد الخناق حول أعناقهم و تحكمون بالإعدام على آمالهم ؟؟

هم ليسوا بحاجة لمن يفعل هذا ، هم بحاجة لمن يسمعهم .. لمن يتفهم وضعهم .. لمن يحدثم دون أحكام مسبقة

هم بحاجة لمن يذكرهم بقيمة ما يملكونه سلفا في حياتهم .. بقيمة العلاقات التي يتذمرون من 0،01 بالمائة منها أو أقل .. هم بحاجة لمن يدلهم على طريق الأمل من جديد و يُشعرهم بالإيجابية



كنوا مسؤولين و أنتم تكتبون ما تكتبونه من حلول أو أعفوا ضمائركم و مصائر الناس من نظرتكم القاصرة

أنتم حين تقرأون عن مشكلة أحدهم فأنت لا تلمون إلا بفتات المشكلة و دوافعها ، فلا تندفعوا لإصدار أحكام بتلك القوة و القسوة و الجبروت .... ضعوا أنفسكم في محل من تحاكمونهم قبل أن تفعلوا ذلك


" نحن عرب ،، و لا نعرف كل شيء " ... فكروا بها

ميرسى يا امير

نورت التوبيك