مبدأ الثواب والعقاب، سواء أكان الثواب والعقاب ماديًا أم معنويًا، أمر قررته شرائع السماء، وأقرته شرائع الأرض،
وقامت عليه حياة الناس في الأولى والآخرة، وفي القديم والحديث؛ قال تعالى: { من عمل صالحا من ذكر أو أنثى
وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون } (النحل:97) .
وقد حفل القرآن الكريم بالعديد من الألفاظ المتعلقة بمبدأ ( الثواب ) و( العقاب )
فمن تلك الألفاظ المتعلقة بمبدأ ( الثواب )، لفظ ( الأجر )، وقد ورد هذا اللفظ في أكثر من تسعين موضعًا في القرآن
الكريم،
من ذلك قوله تعالى: { بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه } (البقرة:112)
ومنها لفظ ( الحساب )، وقد ورد في القرآن - كاسم - في نحو سبعة وثلاثين موضعًا
منها قوله تعالى: { والله يرزق من يشاء بغير حساب } (البقرة:212)
ومنها لفظ ( الجزاء )، وورد في القرآن - كاسم - في أكثر من ثلاثين موضعًا
من ذلك قوله سبحانه: { وأما من آمن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى } (الكهف:88)
ناهيك عن لفظ ( الثواب )، الذي ذُكر في القرآن - كاسم - في تسعة مواضع،
منها قوله سبحانه: { ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها } (آل عمران:145) .
والحديث عن هذه الألفاظ الأربعة، يتركز على ثلاثة جوانب
أولها: معناها اللغوي.
وثانيها: معناها القرآني.
وثالثها: ما جاء بينها من فروق معتبرة .
1- الأجـــــــــــــــــر
لفظ ( أجر ) من حيث اللغة، يفيد أمرين؛ أحدهما: الكراء على العمل؛ يقال: أجر فلان
فلانًا، يأجره أجرًا: أعطاه الشيء بأجرة؛ ويقال: آجر فلان فلانًا: أعطاه الأجرة؛ ويقال: آجره الله، وأجره الله، كلاهما
بمعنى. وثانيهما: جبر العظم المكسور؛ يقال: أُجرت يده، إذا جُبر عظمها المكسور. والمعنى الجامع بينهما: أن أجرة
العامل كأنها شيء يُجبر به حاله، فيما لحقه من تعب وكد فيما عمله .
ثم إن مصطلح ( الأجر ) في القرآن، جاء على أربعة معان:
أحدها: بمعنى مهور الزوجات، ومنه قوله تعالى: { فآتوهن أجورهن فريضة } (النساء:24) أي: مهورهن .
ثانيها: بمعنى ثواب الطاعة، ومنه قوله سبحانه: { ولنجزين الذين صبروا أجرهم }
(النحل:96) أي: ثوابهم؛ ومصطلح ( الأجر ) بمعنى ( الثواب )
إطلاقه كثير في القرآن .
ثالثها: بمعنى المقابل المادي على عمل ما، ومنه قوله تعالى: { وما تسألهم عليه من أجر } (يوسف:104)،
وقوله سبحانه: { أم تسألهم أجرا فهم من مغرم مثقلون } (الطور:40) .
رابعها: بمعنى نفقة المرضعات، كقوله تعالى: { فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن } (الطلاق:6)، أي: نفقة الرضاع .
2- الحــــــســاب
لفظ ( حسب ) لغة، يدل على أمور أربعة:
أولها: العد والعدد؛ يقال: حسبت الشيء أحسبه حَسبًا وحُسبانًا؛ ومن هذا الباب ( الحَسَب ) الذي يعد منه الإنسان؛
يقال: فلان ذو حسب: إذا انتسب إلى عائلة شريفة. ومنه قولهم: احتسب فلان ابنه: إذا مات ولده، فإنه يحسبه ذخرًا له
عند الله؛ ومنه أيضًا، قولهم: فلان حسن الحسبة بالأمر: إذا كان حسن التدبير له، والقيام به على الوجه المطلوب
والمأمول .
ثانيها: الكفاية؛ تقول: شيء حساب، أي: كاف؛ ويقال: أحسبت فلانًا: إذا أعطيته ما
يرضيه؛ ومن هذا الباب، قولهم: حسبك هذا: أي يكفيك .
ثالثها: الحسبان، جمع حُسبانة؛ وهي الوسادة الصغيرة، التي يتكئ عليها الإنسان؛
يقال: حسَّبتُ الرجل أُحَسِّبه: إذا أجلسته ووسَّدته الوسادة .
رابعها: الأحسب، الذي ابيضت جلدته من داء، ففسدت شعرته، كأنَّه أبرص .
وأكثر نصوص الشرع وردت على المعنى الأول والثاني
فمن الأول، قوله تعالى: { الشمس والقمر بحسبان } ( الرحمن:5)
ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: ( من نوقش الحساب عذب ) متفق عليه
ومن الثاني، قوله تعالى: { وقالوا حسبنا الله } (آل عمران:173)، أي: كافينا
ومنه ما في ( الصحيحين )، من قول عائشة رضي الله عنها: (
حسبكم القرآن )، أي: يكفيكم كتاب الله، فيما أنتم فيه مختلفون .
ثم إن لفظ ( الحساب ) في القرآن، جاء على معان عديدة:
أولها: بمعنى الكثرة، ومنه قوله تعالى: { عطاء حسابا } (النبأ:36)، أي: كثيرًا .
ثانيها: بمعنى الأجر والثواب، ومنه قوله تعالى: { إن حسابهم إلا على ربي } (الشعراء:113)، أي: أجرهم .
ثالثها: بمعنى العقوبة والعذاب، ومنه قوله تعالى: { إنهم كانوا لا يرجون حسابا } (النبأ:27)، أي: لا يخافون عذابًا .
رابعها: بمعنى الكفاية، ومنه قوله تعالى: { قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا } (المائدة:104)،
أي: يكفينا ما وجدنا عليه الاباء والأجداد من الطرائق والمسالك .
خامسها: بمعنى الحفيظ، ومنه قوله تعالى: { إن الله كان على كل شيء حسيبا } (النساء:68)، أي: حفيظًا .
سادسها: بمعنى الشاهد الحاضر، ومنه قوله تعالى: { كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا } (الإسراء:14)، أي: شهيدًا .
سابعها: بمعنى العرض على الملك الأكبر، ومنه قوله تعالى: { يوم يقوم الحساب }
(إبراهيم:41)، أي: العرض على الرحمن .
ثامنها: بمعنى العدد، ومنه قوله تعالى: { لتعلموا عدد السنين والحساب } (يونس:5)، أي: عدد الأيام .
تاسعها: بمعنى المنَّة، ومنه قوله تعالى: { يرزقون فيها بغير حساب
} (غافر:40)، أي: بغير منِّة عليهم، ولا تقتير؛ وهذا معنى من المعاني الذي فسرت به الآية .
عاشرها: دوران الكواكب في الفلك، ومنه قوله تعالى: { الشمس والقمر بحسبان } (الرحمن:5)، أي: يدوران حول القطب كدوران الرحى .
حادي عاشرها: الحِسبان، بمعنى الظن، ومنه قوله تعالى: { ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا }
(آل عمران:169)، أي: لا تظنوا ذلك؛ وهذا الاستعمال في القرآن كثير .