طيبة ..حنونة.. تحب الناس وتستأنس بزيارتهم لها .. جليسها دائما كتاب الله تعالى .. تراها دائما قبل الأذان متوضأة و جالسة على سجادتها حتى لا تؤخر الصلاة.. لسانها رطب بذكر الله تعالى .. تحافظ على قراءة القرآن و مراجعة ما حفظته .. رغم سنها الذي تعدى السبعين .. ومنذ أن فتحنا أعيننا للدنيا وهي معنا تساعد أمي في تربيتنا .. و دائمة النصح لنا أحببناها بكل صدق نحن وأهلنا و جيرننا نناديها (بأمي ) فهي أم للجميع و الجميع أبناؤها .. لا ترضى بفعل يتنافى عن الدين إلا و تنصح فيه .. محتشمة لا تخرج إلا ببرقعها و عبائتها على راسها ووجهها مغطى .. تحافظ على قراءة أية الكرسي و المعوذات وسورة الإخلاص بعد كل فرض و تخبرنا بفضل قراءتهم و ثحثنا على المداومة عليهم لفضلهم الكبير..
لم تكن تعاني من مرض ما .. لكن فجأة تعبت ونقلت للمستشفى .. وللتأكد من ما بها تم نقلها لمستشفى توام .. الذي أعلن الحقيقة المرة ..حيث أكد شكوكهم و هو إنتشار المرض الخبيث (عافاكم الله تعالى و أيانا )منه على كلاها بالكامل و لا تجدي الكيماويات معه نظرا لسنها و لأنه في مراحله الأخيرة .. حقيقة أحزنت كل من يعرفها ..لكن إيماننا بالله تعالى يجعلنا نؤمن بقضاءه و قدره ..
علمت غاليتنا بمرضها .. لم نجدها إلا صابرة محتسبة لأمر الله تقول لمن يبكيها (لا تبكون هذا أمر الله تعالى) رجعت بعد أسبوع للمنزل فرحنا بعودتها فهي خير و بركة للبيت .. توافد عليها و لمدة أسبوع قضته معنا أعداد هائلة من أهلنا و أحبتها وكل من يعرفها .. و لكن جسمها بدأ يهزل وتحتاج لتدخل الأطباء ..رغم مرضها لم تتركك الصلا ة بل كانت محافظة عليها وفي وقتها .. قبل تقريبا ثلاث أيام من وفاتها .. بدأت توصي و الدي إلى أن تبكيه .. وبعد ذلك لم نسمع منها إلا القرآن تتلوه على طول الثلاث أيام بدون توقف ليلا و نهارا لم تتقبل الطعام .. نحس إذا حد ظل يناديها .. تتضايق لا تريد أحد أن يوقفها .. كان لسانها هو الذي يتحرك ونسمع قرائتها فقط .. كأنها كانت فاقدة الوعي لكن لسانها لم يتوقف للحظة عن القراءة .. ليلة وفاتها.. أخذت تنادي بصوت عالي على أخي سمعتها عمتاي اللتين كانتا معها تناديه ليرى النهر الذي يجري أمامها فأخذت عمتي تحركها قليلا و تخبرها بأن لا نهر هنا لكنها ردت بلى بلى هذا نهر أمامي ثم رجعت لتلاوة القرآن ثم رأتها عمتي و قد توقفت وهي تحرك فمها أخذت
عمتي تنادي عليها وتطلب منها أن تأكل شيئا لأنها من فترة طويلة ما كلت شئ ردت عليها ليش ما تشوفيني أنا اللحين أكل مانجا و بالفعل كانت تحرك فمها و كأنها تاكل ثم عاودت التلاوة بدون توقف وفي اليوم الذي توفيت فيه كانت تردد آيات من سورة مريم..
( إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا )
ترددها منذ الصبح بدون توقف ثم بدأت تكرر سور الإخلاص تقريبا من وقت المغرب
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (١) اللَّهُ الصَّمَدُ (٢) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (٣) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (٤)
بدأ صوتها يخف فأمسكت يدها وبدأت أردد معها بصوت أعلى قليلا لكن بالكاد كنت أسمع صوتها.. مازالت تتلو وأخوتي يقرءون عليها ..إلى أن اختفى صوتها تماما و أتت الطبيبة .. لتزيل الأجهزة التي عليها و تعلن بذلك وفاتها مع أذان العشاء .
تعلن فقداننا لأمنا الغالية و لأم الجميع عاش لحظات الحزن تلك .. وبدأ عدد كبير من أهلنا وأحباؤها يتوافدون لمنزلنا ليودعوها الوداع الأخير..
رحمك الله يا أمنا الغالية ورحم الله تعالى أموات أمة محمد عليه الصلاة و السلام
مر على وفاتها ثلاث سنوات ومازلنا نحس أنها معنا تحس بنا كل من رآها في حلمة يراها في أبهى صورة وتمشى .. رغم أنها كانت لفترة طويلة لا تمشي .
هذه هي قصة جدتي أم والدي رحمها الله وجمعنا الله بها و بكم في جنة الفردوس بإذنه تعالى