مَن الذي ما زال يُصدِّق برامج المقالب في الفنانين!! التطوّر الطبيعي لتلك البرامج بدأ مع تصديقنا لها وضحكنا عليها
"ما تيجي أقول لك".. "هكشن".. "رامز قلب الأسد".. "ماكانشي يومك"...
وغيرها من البرامج التي تقوم على استضافة مشاهير الفن، ثم تتفنن في عمل
مقالب كوميدية فيهم، ليخرجوا عن شعورهم، ويغضبوا، ويشتموا، ولا مانع من
استخدام الأيدي والأقدام والكراسي إذا لزم الأمر، ثم "stop.. على فكرة كل
ده كان مقلب.. إحنا بنهزر معاك"، وتوتة توتة فرغت الحدوتة.. قوموا بوسوا
بعض يا جماعة، ونلتقي في حلقة جديدة مع ضيف جديد، ومقلب جديد، وأنا وأنت..
فحسين
الإمام الذي يُقدِّم برامج المقالب منذ رمضان 2002 -الذي قدَّم فيه
برنامجه الشهير "قال إيه ع الهوا"- ما زال يستضيف بعد 9 سنوات ببرنامج "ما
تيجي أقولك" نفس الفنانين الذين عمل فيهم المقالب طوال السنوات الماضية؛
مثل: إدوارد، ومحمد لطفي، ومحمد الصاوي... وغيرهم، والمطلوب أن نصدّق أنهم
في كل مرة -يا سبحان الله- يُفاجأون إنه عمل فيهم مقلب، وإنهم شربوه،
وكالمعتاد تنتهي الحلقة بكام ضحكة و"اخص عليك يا حسين.. والله لأوريك".
أما
برنامج "هكشن" الذي يُقدِّمه الفنان حجاج عبد العظيم في أول تجربة تقديم
له؛ فجاءت قائمة ضيوفه بأكثر الفنانين الذين تمّ عمل فيهم مقالب على مدار
السنوات الماضية؛ مثل: سعد الصغير وعلاء مرسي... وغيرهما، بخلاف أن المقلب
نفسه يعتمد على إقناعهم بتمثيل تفاصيل درامية بلهاء، لو قصصتها على طفل
صغير لسخر منك، وقال لك غاضبا "إيه العبط ده؟"، لكن النجوم -يا للمعجزة-
يُصدّقون المقلب ببراءة تفوق بكثير براءة الأطفال، فحتى الأطفال عندهم عقول
ذكية لا تُصدّق الأشياء غير المنطقية، وصاروا أكبر من أن يتم خداعهم بتلك
الطريقة.
حتى رامز جلال (الذي لا يوجد فنان في الوسط الفني إلا
ويعرف مقالبه الشهيرة) في برنامجه الجديد "رامز قلب الأسد" يقوم باستضافة
نجم أو نجمة ليضع في انتظار ضيوفه أسدا أمام باب الأسانسير، قبل أن يتمّ
فصل الكهرباء عن الأسانسير حتى لا يتمكّن الضيف من استغلال الأسانسير
والهرب به من الأسد الذي يقف ساكناً مستكيناً دون أن يُشكّل أي تهديد لحياة
الضيف.
والآن قل لي مِن فضلك: هل إذا كنت مكان الضيف، وقام
باستضافتك فنان مشهور بمقالبه وحركاته، ثم وجدت أسدا على باب الأستوديو بلا
أي داعٍ، في حين أن الأسد نفسه لا يُشكّل أي خطورة، فما نسبة الذكاء
اللازمة لتستنتج أن الأمر برمته مجرد مقلب، خاصة أن الجميع يتعمّد تجاهلك
لتواجه الأسد بمفردك؟
التطوّر الطبيعي لتلك البرامج بدأ مع تصديقنا
لها وضحكنا عليها من كل قلوبنا، ونحن نرى نجومنا المفضّلين، وهم يتجرّدون
من نجوميتهم، ويظهرون على حقيقتهم كبشر يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق
مثلنا، مجرد بشر لا يختلفون عنا في غضبهم، وردود أفعالهم الحادة، ثم
إدراكنا بعد فترة أنها مجرد تمثيلية "كوميدية" في صورة برامج "مفبركة" يتمّ
الاتفاق على نتائجها مسبقاً.
لكنها -والحق يقال- لم تكن قد فَقَدَت
قدرتها على إضحاكنا وتسليتنا، رغم إدراكنا لـ"فبركتها"، ومع مرور الوقت
أصبح الأمر مجرد نكتة "بايتة" و"بايخة" سمعناها من قبل عشرات المرات، لدرجة
تجعلنا نصرخ فيمن يقولها قبل حتى أن تكتمل: "قديمة"، لكن ورغم ذلك، لم
يتوقّف أصحاب تلك البرامج عن تعذيبنا بترديد تلك النكات "البايتة"، وإعادة
تنفيذ "تيمة" مقالب محروقة، وبرامج مفبركة، يحفظ المشاهد كل تفاصيلها عن
ظهر قلب، قبل حتى أن تُعرَض عليه.
السؤال الذي يفرض نفسه حقاً: هل
السادة الفنانين -الذين تجرّعوا عشرات المقالب في مختلف البرامج والقنوات-
لم يفطنوا بعدُ إلى أن ما يحدث حولهم من قبيل المقلب والدعابة السمجة
لاستفزازهم؟ الإجابة أن أي شخص عادي من الجمهور لو تعرّض لمقلب واحد، لصام
وصلّى عليه، وصار يفهم آليات اللعبة حتى وإن دخل عليها التجديد والتطوير،
فما بالنا واللعبة هي هي، دون أي تجديد أو تغيير أو إضافة؟ وهل الوسط الفني
الذي يعرف كل أفراده أدق أسرار وتفاصيل بعضهم البعض، بما فيها أخص
العلاقات، لما يحدث فيه من جلسات نميمة، وضربات تحت الحزام؛ ألا يخبر
أفراده بعضهم البعض بمقالب تعرّضوا لها في البرنامج الفلاني، ليأخذ سعيد
الحظ الذي لم يستضِفه البرنامج بعدُ حذره، ويستعدّ للمقلب جيداً؟
فلماذا
يستمرّ أصحاب تلك البرامج "المفبركة" والنكت "البايتة" في ترديدها على
مسامعنا؟ أعتقد أن هذا هو المقلب الحقيقي، لكن في حضرتك أنت عزيزي
المشاهد!!