في نهاية المطاف يموت الرئيس.. في تمام الساعة الثانية عشرة وخمس وخمسين
دقيقة رحل عن الدنيا.. كانت تداعيات غيابه اشبه بكرة ثلج راح حجمها يتزايد
بمرور الوقت.. وساعة بساعة.. ودقيقة بدقيقة خلال أربعة أيام
غاص المؤلف
الفرنسي بيار مارفال في كواليس السلطة ليكشف لنا كيف تتصرف في مثل هذه
اللحظات الحرجة.
أربعة فصول يرصد كل منها يوما من الأيام الأربعة الصعبة.. والقرارات التي
يجب ان تتخذ.. مثل إعلان الحداد الرسمي.. والتواصل مع دول العالم المؤثرة..
وتنظيم الجنازة.. وتأمينها.. وتجهيز طاقم رئاسي مؤقت يدير شئون البلاد..
ليأتي بعد ذلك المرشحون من الأحزاب السياسية الكبيرة والصغيرة كي يرثوا من
مات.
ويعتقد المؤلف أن حزن كلارا زوجة ساركوزي سيكون حزنا سينمائيا أمام
الكاميرات فقط.. وفي الوقت نفسه من المتوقع اشتعال للصراع الشرس بين قوات
الأمن والتنظيمات الإرهابية وقت حالة فراغ السلطة.. فالإرهابيون سيستغلون
الفرصة لتدبير عمل عنيف يهز استقرار البلاد.
يبدأ الكتاب ــ الذي استقبله ساركوزي بضحكات مجلجلة وسخرية لاذعة ــ في
يوم السبت 17 يوليو 2010.. الرئيس يلعب مباراة تنس بين ساركوزي وزوجته
تنتهي بإصابته بتمزق في الأوعية الدموية تؤدي إلي فقدان وعيه وينقل إلي
المستشفي ولكن محاولات إسعافه فشلت ومات بسكتة دماغية.
سعي قصر الإليزيه لاحتواء الأزمة حيث بدأ سكرتير الرئيس كلود جيان في
محاولة إخفاء الخبر لوقت طويل.. لكن في عصر الفضائيات والإنترنت يصعب إخفاء
مثل هذا الخبر.. فقد أذاعته قناة يورو ــ واحد.
حالة من الارتباك والذهول سيطرت علي أوروبا والعالم كله.. ايقظوا أوباما
في منتصف الليل لإبلاغه بالخبر.. رئيس الحكومة الفرنسية فرانسوا فيون غادر
حلبة لسباق السيارات في مدينة لومان ليعود إلي العاصمة.. وشعر نزلاء دور
المسنين بالهلع.. وتجمع الناس في ميدان الكونكورد.
تولي رئيس مجلس الشيوخ جيرار لارشيه الرئاسة مؤقتا وهو عضو في حزب الاتحاد
فتساءل الناس هل يقدر هذا الرجل الذي فاز بمنصبه البرلماني بأغلبية ضئيلة
علي تحمل مسئوليته الجديدة ؟.. إنه لا يمتلك الحنكة السياسية ولا يقدر علي
حزم الأمور ولا يجيد لعبة التوازنات الحزبية.. علي أنه ليس مطلوبا من رئيس
مؤقت كل هذه الصفات.. فأبسط موظف يقدر علي إدارة الأمور في هذه الحالة علي
صعوبتها.
الأهم هو الرئيس القادم الذي قد يغير شكل المشهد السياسي في فرنسا.. وهنا
يمكن القول إن الثقل السياسي الحقيقي يكمن في سكرتير الرئيس كلود جيان
بجانب رئيس الوزراء فرانسوا ان.. إن الرجلين هما ابطال الصراع السياسي
المتوقع.. كلود جيان صديق الرئيس الراحل ويعمل معه منذ ثمان سنوات وتساعده
دراسته القانونية علي استيعاب الألاعيب السياسية وفهم نقاط الضعف ونقاط
القوة.. في مواجهته رئيس الحكومة التي اعتادت الصحف وصفه بمدير مكتب
ساركوزي اكتسب تميزه بعلاقته بالرئيس واختفاء الرئيس يعني أن استمراره
يعتمد علي قدرته في التدخل بدفع اسماء بعينها للترشيح لمنصب الرئيس الجديد.
يأتي بابا الفاتيكان بنديكت السادس عشر ليتصدر الجنازة في الوقت الذي
تنشغل فيه كلارا باختيار القبعة المناسبة
لحضور الوداع الأخير لزوجها وكانت
قد عبرت عن فراقه لها بكلمة واحدة " أموري " اي حبيبي.
جون ابن ساركوزي الذي احترف العمل السياسي والذي يعمل مستشارا إقليميا
لمدينة نيلي سيبر سان يفكر في أن يرث
السلطة من والده لكنه سبق اتهامه
باستغلال نفوذ أبيه خاصة بعد ترشيحه لمنصب رئيس إيباد أو المؤسسة الدفاعية
في
فرنسا.. وهو في الرابعة والعشرين من عمره ولا يمتلك الخبرة الكافية لهذا
المنصب الرفيع.. ومع وفاة والده يتأرجح
جون بين الحزن علي وفاة والده
والقلق علي مستقبله السياسي.. خاصة أن الوفاة المفاجئة اصابت البلاد
بالشلل.
ليست المرة الأولي التي يصدر فيها مثل هذا الكتاب.. ففي عام 1985 قدم مؤلف
مجهول كتاب بعنوان " الفكر "
توقع فيه وفاة الرئيس فرانسوا ميتران وما
يترتب عليها من فوضي.. لكن الجديد في كتاب " لقد مات الرئيس " غلافه
الذي
أثار حالة من الجدل فهو علي شكل مجلة.. وتسبب في الهجوم علي دار النشر التي
أصدرته.. واتهمت بخداع
القارئ.. لكن المؤلف قال في برنامج تليفزيوني علي
قناة فرنسا الأولي إن الغلاف شكل من اشكال الدعاية.. واضاف
: إنه إذا اعتبر
الغلاف سخيفا فهو يعني أن المجلات سخيفة.. وانتهي إلي أنه لا يريد سوي بيع
كتابه لأكبر عدد من الناس.
مجلة «أكسبريس» وصفت الكتاب بالصدمة وإن أعجبها أنه يستعرض أزمة لم يتعرض
لها الشعب الفرنسي من قبل..
فهناك اثنان من الرؤساء هما جورج بومبيدو وشارل
ديجول لم يكملا فترة رئاستهما واستقالا لأسباب صحية.. ولهذا فإن
غياب
الرئيس بشكل مفاجئ ليس بالأمر الجديد علي الساحة السياسية الفرنسية.
في حواره مع قناة فرنسا الأولي قال المؤلف : إنه لا يمتلك خبرة كافية
بعالم السلطة في فرنسا وأنه اعتمد علي ما
توفره شبكة الإنترنت من معلومات
استفاد منها في جمع كل شيء عن الشخصيات التي كتب عنها.. وأضاف : إن
فكرة
الرواية أتت إليه عندما كان يقضي إجازته الصيفية علي شاطئ فرنسي وانتشرت
شائعة وفاة الرئيس بعد تعرضه
لأزمة صحية.. وقد لاحظ حالة من الارتباك سيطرت
علي الجميع وكان السؤال الذي يدور علي السنة الكافة : ماذا
سيحدث ؟..
وعندما فكر في الإجابة كتب الرواية.
بيار مارفال يعمل مصورا وسيناريست.. عاش متنقلا بين نيويورك وباريس.. أقام
العديد من المعارض للوحات
رسمها.. وعشق السينما.. وكتب وأخرج العديد من
الأفلام التسجيلية.. وتعد مهنة الكتابة بالنسبة إليه نوعا من أكل
العيش..
وسبق أن نشر عدداً من الروايات المهمة منها " الإليزيه تحت السيطرة " و"
انطلق سريعا ".. والرواية
الأخيرة كانت سر شهرته وسبب انطلاقه سريعا.