د.عبد العزيز الرنتيسي: " إذا تحدثنا عن الحوار فلم يعد لهذا المصطلح العظيم من مضمون، لأننا نفهم الحوار على أنه سلوك وطني وإسلامي يضع كافة القضايا التي تهم المتحاورين تحت المجهر بهدف التوصل لما هو أفضل لقضيتنا ولشعبنا، وأن يكون هناك استعداد مسبق لدى الأطراف المتحاورة أن تفتح أسماعها وأبصارها وأفئدتها للرأي الآخر، وأن يكون لديها استعداد للتخلي عن موقفها لصالح المصلحة العليا إذا تجلت في الرأي الآخر، بينما نرى مفهوما آخر للحوار يفرغه من مضمونه، فقد أصبح في عرف البعض أنهم وحدهم يحتكرون الصواب دون غيرهم، وأن على الآخرين أن يتخلوا عن قناعاتهم وإلا فالحوار يعتبر فاشلا قبل انعقاده، وعندها يجرد الحوار من معناه الجميل ليصبح ضغوطا وإلحاحا وتخجيلا، من طرف على طرف آخر كي يتخلى عن ثوابته التي يؤمن أن المصلحة الوطنية العليا تكمن في التشبث بها، فالحوار ليس وسيلة ضغط من أجل دفع هذا الطرف أو ذاك لتغيير محضنه الفكري أو الثقافي أو السياسي، وليس وسيلة من وسائل الترغيب والترهيب، ونجاح الحوار يكمن في قبول الطرف الآخر كما هو، ثم يجري البحث في التحول المطلوب كنتيجة للحوار، وليس كشرط مسبق لنجاح الحوار، فهناك من يقيد نجاح الحوار بتحقيق الهدف الذي حدده كنتيجة مسبقة للحوار، فإن تحقق كما يرجو يصبح في عرفه الحوار ناجحا، وأما إذا لم يتمكن من تحقيق ما يشتهي فلا يتردد في الإعلان عن فشل الحوار، ثم لا يلبث أن يحمل صاحب الرأي الآخر الذي لم يقترف ذنبا إلا أنه تشبث برأيه الذي اقتنع بصوابيته، وأبى أن يكون إمعة، مسئولية ذلك الفشل المزعوم." (6)
- تساءل الدكتور عبد العزيز في إحدى مقالاته " هل السلطة في ظل الاحتلال إنجاز وطني أم إنجاز للاحتلال؟"(7). فما هو المطلوب من السلطة حتى تصبح انجازاً وطنياً يجمع الشعب في بوتقة المقاومة؟ د.عبد العزيز الرنتيسي: "أن تعلن السلطة عن وفاة أوسلو، وعن تحللها من التزاماتها كما جاءت في الاتفاقيات التي وقعت عليها، وأن تنحاز إلى خندق المقاومة كخيار استراتيجي، وما من شك أن لهذا الخيار تكاليفه، فهذا يعني بوضوح نهاية السلطة كمشروع دولة، ولن تكون التكاليف إذن باهظة لأن مشروع الدولة غير قابل للتنفيذ، ولكن من مزايا هذا الخيار أنه سيحافظ على السلطة كإطار وطني ثوري، وبالتالي سيصون الوجود الفلسطيني، ويحفظ القضية الفلسطينية من التصفية، ويجمع الصف الفلسطيني في بوتقة واحدة، ويعزز قدرة المقاومة على تحقيق أهدافها، ففي التحلل من التزامات أوسلو، يصبح التسلح مشروعا وليس جريمة مخجلة... وستصبح المقاومة عندئذ عملا مشروعا وليست إرهابا، فمقاومة الاحتلال لم تفقد مشروعيتها إلا في أوسلو، وسيصبح العدو أمام أمرين اثنين: إما أن يذعن لشروط شعبنا الفلسطيني المجاهد، أو أن يواجه حرب استنزاف طويلة الأمد، باهظة التكاليف لا يريدها ولا يتمناها، ولا يمكنه تحمل تبعاتها." (
- إذاً هل يُشجِّع الدكتور عبد العزيز انضمام حماس وباقي القوى الفلسطينية إلى السلطة إن تمرَّدت على أوسلو؟ د.عبد العزيز الرنتيسي: "اندثار أوسلو يعتبر مصلحة عليا للشعب الفلسطيني ، مما يفتح الباب على مصراعيه أمام مشاركة كل القوى في صناعة القرار الفلسطيني المستقل ، و يهيئ الأجواء لميلاد سلطة مستقلة وقوية".(9)
- قام النظام المصري باعتقال مجموعة من الأفراد قيل أنهم يُهرِّبون السلاح للمقاومة الفلسطينية المحاصرة في غزة. وفي ذات الفترة قام النظام الأردني بالحكم على ثلاثة أردنيين أُدينوا برصد مواقع عسكرية اردنية لصالح حماس؛ ما هي رسالة الدكتور عبد العزيز للحكام العرب الذين يزيدون من الضغط والحصار على المقاومة الفلسطينية؟ د.عبد العزيز الرنتيسي: " يا قادة العرب شعوبكم تتحرق شوقا لنجدتنا ونصرتنا، تتلظى على جمر العار لحرمانها من نصرة المسرى، تتوق إلى الجهاد في سبيل الله، دفاعا عن كرامة أمتنا التي مرغها الصهاينة في التراب، فلماذا تسلطوا عليهم الكلاب الأمريكية؟ ولماذا تجلدوا ظهورهم بالهراوات البريطانية؟ فإن كنتم قد تخاذلتم عن نصرتنا، ألا يسعكم أن تغضوا الطرف عمن يريد نصرتنا ؟؟
ليت الذي لم يكن بالحق مقتنعا يخلي الطريق ولا يؤذي من اقتنعا. يا قادة العرب لماذا هذا الولاء الأعمى لمن نهانا رب العزة عن اتخاذهم أولياء (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء)، فربما تقولون كما قال الذين من قبلكم (نخشى أن تصيبنا دائرة) فاقرءوا إذن قول الله عز وجل ( فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين )، وربما ابتغاء العزة عندهم، فأذكركم باستنكار الله ذلك قائلا سبحانه ( أتبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا )، ولذا أما آن لكم أن تتدبروا قول الله تعالى (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا)، فإلى متى تبتعدون عن هذه الحقائق القرآنية الدامغة ؟؟ ألا ترون أن ابتعادكم عنها سبب هزائمنا ؟؟
يا قادة العرب ألا ترون أنه لولا جهاد شعبنا في فلسطين لاقتحم العدو عليكم عواصمكم، فهو الذي لم يتخل بعد ولن يتخلى عن مشروعه وحلمه في ما يسمى بإسرائيل العظمى، فلماذا لا تدعمون صمودنا كي نحمي عواصمكم ؟؟" (10)
- في ظل الحكومة الصهيونية اليمينية, قال وزير الخارجية أفيغادور ليبرمان, بأنه يرفض مؤتمر أنابوليس, الذي هرولت إليه بعض الأطراف الفلسطينية و رأت فيه طريق النجاة و الحل الأمثل. كيف يمكننا تفسير موقف القادة الصهاينة من الاتفاقيات المبرمة مع الفلسطينين؟د.عبد العزيز الرنتيسي: " لقد أصبحت عملية الإخراج الإعلامي للتراجعات السياسية تأخذ شكلاً نمطياً ثابتاً ، يبدأ دائماً بعرضٍ أمريكي يتمثّل في ورقة أو خطة أو خريطة ، تحمل في طياتها مطالبة الجانب الفلسطيني بتخفيض سقف التطلعات السياسية ، فيأتي الرد الفلسطيني على شكل القبول المشروط الذين يعني الموافقة ، بينما يأتي الردّ الصهيوني على شكل قبولٍ مع تعديلات كبيرة تعني الرفض ، فتأخذ عوامل التعرية الصهيونية في نحت الخطة لتصبح شيئاً آخر يتطلّب تخفيضاً جديداً للسقف الفلسطيني ، فيتعزّز الجانب الفلسطيني في البداية لكن سرعان ما يعلن عن الموافقة بدون شروط ، ليبدأ التشدّد الصهيوني من جديد ، و هكذا يتم خفض السقف السياسي مرة تلو الأخرى ، و ما هي إلا أسابيع حتى يصبح ما تعتبره فصائل المعارضة كارثة سياسية مطلباً فلسطينياً وطنياً !!! ."(11)
- إذاً, كيف يرى الدكتور عبد العزيز السياسة؟د.عبد العزيز الرنتيسي: " لقد كانت السياسة هي فن الممكن ، فهل أصبحت اليوم فن التراجع ؟؟؟ أما أنا فأرى أن السياسة هي فن التمسك بالثوابت ". (11)
-تأتي ذكرى استشهاد الدكتور عبد العزيز الرنتيسي في يوم الأسير الفلسطيني 17-4 , فماذا يقول الدكتور عبد العزيز في قضية الأسرى, وكيف يرى السبيل الأمثل للتعامل مع هذا الملف؟د.عبد العزيز الرنتيسي: " الحركة الإسلامية في فلسطين أمام خيارين اثنين: إما أن تقوم بالعمل على اعتقال جنود صهاينة لإنجاز عملية تبادل، أو تترك المعتقلين يرسفون في القيد إلى الأبد، والخيار الثاني لا يمكن للحركة الإسلامية إلا أن تشطبه من أجندتها، مما يعني أن الخيار الأول هو الخيار الوحيد أمام الحركة الإسلامية." (12)
***
أبشرْ فإن جهادَنا متواصلٌ .... إنْ غابَ مقدامٌ ستخلفه مئاتْ*
هذه البشرى التي أراد الدكتور عبد العزيز إيصالها ليحيى عيَّاش, وأضاف عليها في ذات القصيدة قائلاً:
اليوم يا يحيى ستنهض أمةٌ ....... وتثورُ تنفض عن كواهلها السُّباتْ
ونُعيد ماضينا ويهتف جُندنا........ النصر للإسلامِ بالقسَّام آتْ
ونحن اليوم نزف للدكتور عبد العزيز ذات البشرى؛ بأن جهادنا متواصل وأن قسامنا قد غدا جيشاً لا يُقهر, تفرُّ منه أقوى الجيوش تسلُّحاً في المنطقة.
تشتاق أعيننا لرؤية الرنتيسي وباقي قادتنا الشهداء, في كل لحظة وساعة, ولكنَّ الله إذا قضى أمراً فإنما يكون له كنٌ فيكون, وإنه لكل أجلٍ كتاب, ومن اصطفاه الله شهيداً خير ممن فارقته روحه بسكتةٍ قلبية أو ذبحةٍ صدرية!