(16) العودة
عادت حبيبة الي طبيعتها، مرحها و حماسها.. لم تكن واثقة ان كان كله حقيقيا ام ادعاء ولكن كان عموما يفي بالغرض. قامت بالبحث عن شقق ايجار جديد سرا الي ان وجدت واحدة مناسبة وبالفعل اتفقت مع مالكها و اتمت اجراءات الايجار، قامت بشراء بعض من الاثاث البسيط ، وصارت تسرق بعض الساعات من بيت عمها بحجة مشاوير هامة تخص البنوك و النقود، تقضي وقتا بها تقراء ، او تستمتع باحساس انها في ملكها و علي حريتها ، الي ان تاتي اللحظة المناسبة وتعلن فيها عن التمرد والاستقلال فالشقة ستظل سرا. كما انها ابتاعت سيارة صغيرة ظريفة وسط اعتراضات عمها علي تبزيرها للنقود، ولكنه عندما وضعته امام الامر الواقع واشترتها، استغل هو الامر الواقع الاستغلال الامثل بان حبيبة صارت السائق الخاص لزوجته واولاده، لم تمانع اتقاء للمشاكل الي ان تغور من هذا البيت
تم كل ذلك قبل موعد الذي تم تحديده لزيارة طارق ووالدته . وعندما اتي الموعد استعدت له حبيبة .. لم تستعد بالزينة و الملابس و الحلويات بل استعدت بقائمة من الاسئلة التي ستعصر بها العريس، حقها.. الن تعيش معه عمرها كله.. يجب ان تعرف كل تفصيلة تخصه. فاجأتها زوجة عمها بان مي تريد ان يقلها احد من مكان الدرس الخصوصي وطلبت منها ان تذهب هي لتحضرها، فمازال هناك وقت كاف قبل ان يصل العريس.
بالفعل امتثلت حبيبة وراحت لتأتي بمي.
في تلك الاثناء دق باب بيت عمها ، فتحت دينا الصغيرة لتجد شاب لا تعرفه وسيم بعيون جذابة وشعر اسود قصير يرتدي بدلة و يحمل في يديه باقة كبيرة من الزهور
الشاب:" دا منزل الاستاذ صلاح حمدي؟"
دينا:" ايوة مين حضرتك؟"
الشاب:" هي حبيبة موجودة؟"
بعد ان نظرت اليه دينا تتفحصه من فوق لتحت ثم هتفت في حماس :" انت العريس؟"
عقد الشاب حاجبيه وفتح فمه ليتحدث، فاتاه صوت قادم من داخل البيت
"بتكلمي مين يا دينا علي الباب؟" و ظهر رجل يبدو للشاب انه الاستاذ صلاح
ردت دينا:" دا عريس حبيبة يا بابا"
فابتسم الشاب له قال:" حضرتك الاستاذ صلاح؟"
اجابه صلاح في حيرة:" ايوة انا..مين انت؟"
فمد الشاب يده ليصافحه قائلا:" اهلا يا انكل، انا سعيد اني عرفت اوصل للبيت"
مد صلاح يده وقد زادت حيرته ثم قال لدينا :" ده مش العريس يا بنت ، خشي اوضتك"
قال للشاب :" اقدر تعرف انت مين؟"
الشاب:" لا انا العريس فعلا ، انا جاي اطلب منك ايد حبيبة بنت اخوك"
فتح الرجل فمه مذهولا ثم قال:" انت تعرفها منين؟ و بعدين لحد دلوقتي انت مقلتليش انت مين؟"
رد الشاب:" اسمي محمد احمد ابراهيم سليمان، وقابلت حبيبة اثناء وجودها في امريكا، وجيت وراها عشان اجوزها..تسمحلي ادخل؟"
صلاح وقد ركبه مليون عفريت:" تدخل فين يا جدع انت؟ هيا سايبة؟!! اولا يا سيدي حبيبة مخطوبة، وثانيا انا معرفكش عشان ادخلك بيتي..اتفضل من غير مطرود" وحاول ان يغلق الباب
الا ان محمد تعلق بالباب وقال مستعطفا الرجل:" حرام عليك، انا تعبت جدا لحد ما وصلتلكوا، طب انا ممكن اعرفك بنفسي اكتر عشان تدخلني ، انا بملك شركة واخدة توكيل مطاعم بارنيز العالمية .. تسمع عنها حضرتك؟ طب هي حبيبة موجودة؟ من فضلك بس اندهالي.. انت بتقول اتخطبت؟ اتخطبت ازاي واحنا..."
زاد غضب صلاح فاغلق الباب في قوة قبل ان يسمع باقي كلامه تاركا اياه بالخارج..
خاف صلاح بشدة ، ذلك الشاب وجوده يهدد مخططاته، قد يربك مشروع الزواج ، وقد ياخذ حبيبة واموالها بعيدا عنه.. حسنا هو لن يخبرها بقدومه، ورجا الله الا تلتقي به في مكان اخر.
اما محمد فنزل علي السلم يعيد في رأسه ما قاله ذلك الرجل عم حبيبة، هل قال انها مخطوبة فعلا؟ هل كذب عليه ليجعله يرحل، ولكن تلك البنت الصغيرة قالت شيئا عن عريس، عريس ايه؟؟؟؟؟؟
***
عادت حبيبة مع مي، اخفي عمها عنها موقف الشاب الذي اتي بعد ان حكاه لزوجته، استعدوا لاستقبال العريس، وبالفعل دخل العريس و مامته، متأنق كعادته و يفوح عطرا وقد ارتدي حذاء وساعة مختلفين عن ذوات المرة السابقة يتشابها فقط في ثمنهما الباهظ.
كانت كل اسرة عمها موجودة في الصالون بما فيهم حبيبة، اثناء القاء السلامات و التحيات ، نظرت دينا لطارق شزرا ثم قالت:" انت مش العريس اللجيت الصبح.. التاني احلي" وضعت امها يدها علي فمها حتي كادت ان تموت البنت فطيسا، سالتها مي:" عريس ايه اللي جه الصبح؟" فلكمها الاب في ظهرها لتصمت فصرخت متالمة ، ابتسم الاب مداريا علي ما يحدث. تبادل طارق وامه نظرات التعجب ثم تجاهلا الموضوع واعتبراه كلام عيال.. اما حبيبة فلم تتجاهله تماما انما فقط وضعته علي جنب في ذاكرتها لكي (تأرر) دينا لاحقا، فخبرتها معها جعلتها تعرف ان دينا ليست من الاطفال، ان عمرها الفعلي 35 سنة فهي (اروبه و اراشانة) ولا يصح ان يؤخذ كلامها علي محمل الخفة..
المهم .. نعود للجلسة، جلس طارق بجوارها، تأملته هو لا يمكن ان يطلق عليه قبيحا ولكن لا يوجد به ما يجذبها، هي تفضل الرجل الذي يتميز بعنصر جذاب في شكله مثل عينيه مثلا.. اطلت صورة عينا محمد امامها لتمحي صورة تامر من امام عينيها .. ام كان اسمه طارق؟.. نعم طارق ركزي في طارق يا حبيبة .. انسي محمد .. انسيه!
اقترحت زوجة عمها ان يذهبا للشرفة ، لكي يتحدثا علي حرية اكثر ة يتعارفا بصورة افضل.
بالفعل جلسا في الشرفة وكان الجو لطيفا، يساعد علي الهدوء و كسر الحاجز الثلجي..
بدات هي وفتحت موضوعا ، سألته ان كان يحب القراءة، اجابها بالنفي ... قالت له انه تعمل بالتاليف واخبرته عن كتابها، رد عليها بملل انه سمع بهذا من والدته.. كيف تتزوج منه وهو لا يقدر موهبتها، هي تريد من الرجل ان يكون مساندا مشجعا، تذكرت عندما انبهر بها محمد لمعرفته انها تدرس الكتابة.. محمد تاني؟!، انسي يا حبيبة بقي!
سألته ان ان كان يمارس الرياضة اجابها بانه كان يمارسها فيما مضي ولكنه الان لا وقت لديه، وطبعا لا داعي للقول انها تذكرت ان محمد كان يهتم بصحته و بجسمه ويمارس الرياضة ثم لامت نفسها.
سألته سؤالا عجيبا ،" ما مدي حدود غيرته علي زوجته؟" برغم من تعجبه من السؤال الا انه قالها انه سؤال ذكي وقد اعجبه، بدت له امرأة حرة مستقلة كانت في امريكا وتؤلف قصصا فكانت اجابته كما اعتقد انها ستعجبها فقال:".بعا لازم اغير عليهالاني بحبها، بس الغيرة ليها حدود، يعني مينفعش اتدخل في خصوصيتها"
ياسلااااااام وكأن حبيبة هي من يتكلم، ايعقل انها وجدت المصري الذي يؤمن بخصوصية زوجته؟؟، ولكنه جاء متأخرا جدا، فهي لم تهتم اطلاقا بما قال بل سألت سؤال اخر يوضح ما تقصد:" لأ انا قصدي لو ماشية في الشارع و حد عاكسها مثلا هتعمل ايه"
نظر لها عاقدا حاجبية قالبا شفتيه في اشمئزاز:" وهي ايه اللي يمشيها في الشارع ؟ معندهاش عربية؟"
حبيبة :" افرض حد عاكسها وهي سايقة العربية؟"
طارق مستغبيا حبيبة بشدة:" ماهي جوة عربيتها يعني.. هو هياكلها؟ هي هتسوق بعيد عنه وخلاص .. ايه الافتراضات الغريبة دي؟"
لقد سقط من نظرها تماما فالرجل في نظرها ، رده علي هذا السؤال يكون" دانا كنت اقتله!" مثلما كان ليقول... نعم .. محمد.
طارق عاد ليقول:" مادمنا بنكلم بصراحة باة ممكن اسألك سؤال؟"
حبيبة:" اتفضل"
طارق:" انتي حبتي قبل كده او كان ليكي علاقات سابقة؟"
اتقول له انها احبت محمد ، اتقول له انها كانت متزوجة.. اتخبره بـ... لحظة! كانت؟ هل طلقها محمد؟ لم يحدث هذا .. فهي فعليا ما تزال زوجته .. اسعدتها الفكرة بشدة وكادت تقذف الحقيقة في وجه سامر..تامر.. ما اسمه؟ لا يهم.. المهم انها عادت وتذكرت ان لها ضرة الان خواجاية حلوة وشعرها اصفر فهبط حماسها ، ولكنها نظرت لطارق في سخرية وقالت ردا علي سؤاله:" اعتقد ان دي خصوصيات، وانت قلت انك متحبش تدخل فيها" وتركته ودخلت الي بقية الاسرة وامه في الصالون.
كانت مبتسمة و تضحك بنوع من الهبل في تفكر في موضوع زواجها المستمر من محمد، اهو شيء جيد ام ورطة، واذا ارادت ان تتزوج.. اي شخص انشاله .. سامي هذا .. ماذا عساها ان تفعل وهي متزوجة ستكون فضيحتها بجلاجل ، وان ارادت الطلاق هل ستتصل به لتتطلبه.. وربما ترد عليها زوجته، فتخبرها حبيبة انها زوجته الاولي و تتشاجرا معا علي الهاتف.. كانت تلك الافكار والتخيلات تضحكها كالمجانين، حاولت تمالك نفسها قليلا..الي ان رحل العريس ومامته .
وصلهم عمها الي الباب وعاد اليها جريا مما لا يليق مع هبية رجل في سنه، جلس امامها وقال:"ها عجبك يا بنتي؟"
حبيبة:" اشك يا انكل المرة دي في ان انا اللي عجبته"
زوجة عمها:" ليه يا حبيبة هو حصل حاجة؟"
عمها:" اوعي تكوني طفشتيه.. انتي مش قلتي انو لطيف"
حبيبة متصنعة البراءة:" هو فعلا لطيف اوي يا انكل و عاجبني ، بس انا حاسة ان انا اللي مش عاجباه"
سامية:" ازاي ده هيجنن عليكي"
عمها:" يعني يا حبيبة لو طلع انه لسة عايزك نقرا فاتحة الزيارة الجاية"
حبيبة: لو، يا انكل لو!"
كانت حبيبة متاكدة ان اجابتها الاخيرة علي سؤاله ، ستمنعه كرجل شرقي ان يتزوج منها، لا يحب الرجل المرأة ذات الماضي الغامض الذي لا يعرف عنه شيئا.